الثقافية

قراءة نقدية لرواية لعنة سيدرا

الشاعر:  ناصر الدسوقي

لعنة سيدرا  هي رواية للكاتبة / إسراء محمد عبد الوهاب .
تدور أحداث هذه الرواية تخيُّلًا في الفترة من عام ٢٠٥٥ حتى عام ٢٠٣٥م ،
لكن كان من الطبيعي أن تكون الفترة الزمنية تصاعدية لا العكس .
فهذا الترتيب العكسي له دلالة عميقة المعنى ستظهر معنا لاحقًا .
تدور أحداث هذه الرواية حول المهندس الشاب في العِقد الثالث من عُمره ( ليث ) .
وحبيبةُ عُمره وزميلته في العمل المهندسة ( توليب ) .
وصديقه الوحيد ورفيقه في العمل ، المهندس( باسم ) .
والسيد / مدير الشركة التي يعملون بها ،
ورئيس مجلس الإدارة لذات الشركة .

هي في ظاهرها أحداثٌ عادية وطبيعية بين رفقاءِ العمل ، وأيضا العلاقة الحميدة الطبيعية بين حبيبين .
وأيضا العلاقة بين صديقين رغم ما يشوبها من غِيرَةٍ في العمل غير محمودة .
حيث استهلت روايتها التي بلغ عدد صفحاتها مائة واثنتي وعشرين صفحة ، بطريقة سلِسة متدرجةٍ في الأحداث كي تجعل القارئ الكريم مستعدُ ذهنيًّا ومُتشوقٌ أيضا لما هو آت نحو معرفة ما هي لعنة سيدرا هذه ، وما هي سيدرا من الأساس ، التي يراها مدير الشركة ورئيس مجلس الإدارة اختراع العصر .

قد يرى البعض أن طريقة السرد في الفصل الأول الذي بلغت عدد صفحاته ( عشرون صفحًة ) سردّا نمطيًّا ، لكنه على النقيض ، حتى تأخذ انتباهك وتركيزك نحو الأحداث وتجعلك تعيش رغمًا عنك في عالم اللاوعي .
لكن ؛ قبل الذهاب لبقية فصول الرواية التسع في جملتها ،
لاحظنا أن كل الخدمات في الشركة من نظافة وبوفيه وخلافه لا يقوم بها بشر ، بل جميعها روبوتات على هيئة بشر تعمل باللمس .

وبدخولنا للفصل الثاني ،
هنا وكما بالفصل الأول ، اختارت الكاتبة أن لا يكون السرد عن فحوى ومضمون روايتها ( التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي ) مباشرًا .
لكنها لجأت إلى الطريقة التقليدية .
حبٌّ بين ليث وتوليب ، لم يتغير مفهومه ولا طريقة التعبير عنه مع كل التطورات التكنولوجية هذه .
صداقة حميمة في ظاهرها بين ليث وباسم .

وهنا أرادت أن توضح لنا أن الحِقد والغيرة في النفسِ البشريةِ لم ولن يتغير بتغير الزمان والأشخاص .
وهنا تأخذنا الكاتبة على غِرَّة إلى عجلةِ الزمن التي كُنا نسمع عنها فى حكايات( ألف ليلة وليلة )
وهل هناك شئ اسمه عجلة الزمن يستطيع الإنسان أن ينتقل من خلالها عَبْرَ الزمنِ لما مضى أو لما هو آت .
هل هذا معقول؟!.
في الحقيقة ليس معقولا أبدًا ، بل هو مستحيلٌ لأن الأيامَ لا ترجَعُ للوراء ، ومستحيلٌ أن نذهب لزمنٍ آتٍ .
فالله وحده يُقلِّبُ الليلَ والنهار .

لكن هنا وبعد أن رجع ليث بإرادته لعام ٢٠٣٥م وقد ائتمن صديقه باسم على شفرة جهاز التحكم والإتصال برفيقه ليث عبر الزمن من خلال جهاز دقيق أسفل الأذن اليمنى تحت الجِلد .
ليكتشف ليث في عالمه السابق أن الحادث الذي راحت ضحيته عائلته كان السبب والمدبر له هو صديقه باسم .
حيث كان باسم في ذلك الزمن يعاني من مرضٍ نفسيٍّ بالغ الخطورة فيما قد وصل إليه ولا زال حتى عام ٢٠٥٠ م .

ليث في عام ٢٠٣٥م ومعه صديقه باسم وحبيبته توليب ورفقاء العمل وكل شئ هو ذاته ،.في حين أن باسم وتوليب اللذان برفقته مع الآخرين ،.هما اللذان يقومان في نفس اللحظة بمراقبته عَبْرَ الشاشات من عامهم ٢٠٥٠م .
دارت الأحداث وقد عرف ليث حقيقة صديقة باسم ، وأيضا عرف باسم أن ليث عرف حقيقته وباتا يتعاملان عبر الإتصال اللاسلكي عبر الأزمنة على هذا الأساس .

ليقرر باسم في عام ٢٠٥٥م أن يترك ليث في عام ٢٠٣٥م في دائرة مغلقة ، بعد ما تزوج توليب حبيبة صديقه ليث بعد ما أقنعها أن ليث لن يعود لعالمهم في عام ٢٠٥٥ مرة أخرى ،.حيث قد تعطل جهازا الإتصال عبر الزمن واللذان كانا هما وسيلة الإتصال بينهما وبين ليث .
حيث كان ليث قد أعطى توليب الشفرة كما أعطاها لصديقه باسم دون علمه .

واستكمل باسم العمل على مشروع صديقه الذي تركه عالقا في دائرة مغلقة عام ٢٠٣٥ يكبر ويتلاشى فيها ، ونسب المشروع لنفسه ،
وأنتشرت الأخبار حينها أن ليث تم فقد الإتصال به في عالمه ويستحيل إعادته مرة أخرى لعام ٢٠٥٥م .
حتى اكتشفت توليب أن زوجها باسم يعاني من مرض نفسي خطير بعدما رأت علب الأودية النفسية التي يتناولها باسم .

وبعد ما رجعت لطبيبه النفسي المعالج، دكتور / حسام ،
الذي أخبرها بدوره أن هذا المرض بطبيعته يجعل صاحبه يؤذي المقربين منه ولا يريد لهم الخير ،
وعرفت أن الطبيب على عِلمٍ بكل ما فعله زوجها باسم لصديقه ليث .
وهنا تقرر البحث داخل القبو الذي يذهب إليه زوجها باسم خِلسًة لتعثر عل جهازين الإتصال عبر الزمن بليث ،
وتفتح معه إتصالا لتعيده من عام ٢٠٣٥ لعام ٢٠٥٥م .

وهنا يدخل باسم الذي كان ينتوي إعادة صديقه بعد تأنيب النفس ليجد المشهد أمامه فتتحرك فيه غريزة المرض الخطير ، وبضغطة زِرٍّ ينفجر المكان بمن فيه .
ليث وباسم وزوجته توليب وابنتهما الصغيرة ،
ليكونوا عبارة عن جثث متحفظة .
وبعد مباشرة النيابة التحقيق تم حفظ القضية ضد مجهول ، حيث لا دليل لشُبهةٍ جنائية ..
وهنا قصدْتُ السرد الغير مفصل لبعض أحداث الرواية .
حيث نبين أن الكاتبة اختارت السياق العملي والمجتمعي لتعبر من خلاله عن ماهية سيدرا هذه .

فسيدرا هنا هو التقدم التكنولوجي الهائل في ما يسمى بالذكاء الإصطناعي ،.الذي يمكن للإنسان من خلاله بعد تزويده ببيانات معينه أن يجعلك ترى بصورة غير حقيقية ما سيحدث بعد عشرين عاما مثلا على سبيل التوقع ،
والعكس صحيح ،
يريك ما قد مضى أيضا على سبيل التوقع ،.لأن هذا بيد الله سبحانه وتعالى .
لكن بعد كل هذه الأحداث في روايتنا هذه ،

واجبّ عليَّ كقارئٍ وناقدٍ
أن أشكرَ للكاتبة الأستاذة / إسراء محمد عبد الوهاب ،
حُسْنَ اختيار موضوعٍ كهذا للتحدث فيه ،
وفي حد ذاته يُحسب للكاتبة ، حيث تطرقت بالطرح والمناقشة للإستخدام الأعمى والغير آمِن لما يسمى بالذكاء الإصطناعي ، وما قد يتسبب فيه من أضرار ومهالك للإنسان دون وعيٍ أو دراية له وهو صانعه .
سلاسة في الصياغة وسردٌ مبسَّطٌ دون تعقيد .
اختيار موضوع عملي مجتمعي ليدور فيه محور الرواية .

تقسيم الرواية إلى عدة فصول كي تعطي لنفسها مساحة في ترتيب الأحداث وصياغتها .
السلاسة في الصياغة واستخدام مفردات ليست بالمعقدة تخاطب من خلالها كافة الأعمار .

لكن ألوم على الكاتبة :
إن أسلوب الحوار قد غلَب عليها ، على عكس طريقة كتابة الروايات والقصص .
وأيضا الشرح المفصل لبعض الأحداث مع تكرارها في عدة فصول ، جعل الرواية تمتد لإثنتي وعشرين صفحة بعد المئة ،.في حين أنها كانت تستطيع صياغتها في تسعين صفحة فقط ، لتكون أعمق وأدق ، دون اللجوء للإطالة لهذا الحَد .
تفتقر بعض الشيء لكيفية التعبير عن الحدث بصياغة حرفية مع استخدام المفردات الأمثل لذلك وتوظيفها في مكانها الصحيح .
………….

لكن في النهاية نجد أنفسنا أمام عملٍ جيد ،
ونستطيع أن نقول .
سيكون لدينا في القريب روائيين بحق .
ولعنة سيدرا رواية تستحق القراءة والتمعن .

 

كمال فليج

إعلامي جزائري / نائب رئيس مجلس ادارة صحيفة الآن الإلكترونية مستشار إداري / نائب رئيس التحرير / نائب رئيس الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى