أنت لاتعيش مع واقع الناس

✍️ صالح الريمي :
كنت جالسًا يومًا مع رجل وسألني سؤال: دائماً أسمع عنك ممن جالستهم من أصدقائك أنك متفائل لدرجة كبيرة، وتكتب عن التفاؤل كثيرًا، وتعيش بتفاؤل وأمل في سائر حياتك، ولكن أصدقك القول: كأنك لا تعيش معنا ولا ترى واقعنا الأليم ولم تشاهد حال أمتنا، أو أنك رجل هلامي تعيش في برج عاجي..
وهناك ثلة من القراء تعاتبني بقولهم: لماذا أغلب مقالاتك تتحدث عن قصص الأمل والتفاؤل ورفع المعنويات فقط؟!! فأنت لا تعيش واقع الناس وهموهم ومشكلاتهم!! وقد تكتب أغلب كتاباتك من برج عاجي مثالي خالٍ من الهموم والمشكلات.
وقال أحدهم مؤخرًا: “أنت إنسان هلامي تضع في مقالاتك للناس حقنة الفولتارين المهدئة للألم ريثما ينتهي مفعول الحقنة ثم يأتي الألم مجددًا، ثم تترك القارئ بلا خطة، بلا عمل تنقله من الإحباط إلى عالم الأمل الواقعي والفعلي”..
“بالله عليك وبصدق هل أنت متفائل مع ملمات الدنيا، وهموم الناس، ومشكلاتهم، وواقعنا الذي لا يدعو للتفاؤل؟ أم مجرد كلمات وخواطر تكتبها فقط؟ وقال شخص قريب مني أعرف ظروفك الصعبة التي تعيشها، فأين هو التفاؤل في حياتك؟ وهل أنت سعيد بصدق في حياتك؟ أم مجرد حبر على ورق؟”.
أقول مستعينًا بالله:
الحقيقة أنا إنسان في الأول والأخير ويعتريني من الهم والغم والمرض والابتلاء والفقر والحاجة مثل باقي البشر، لكن أنا کالمصور المحترف دائمًا ما أنقل الصورة الجميلة للآخرين من الزاوية الأجمل، وأنظر بعدسة صافية من خلال الزوايا الجميلة!. فإذا كنت لا أستطيع أن أكون قلم رصاص لكتابة السعادة لأحد، أحاول على الأقل أن أكون ممحاة لطيفة لإزالة الحزن عن الآخرين..
ولا شك أن الاستسلام لليأس والإحباط هي علامة للضعف، وهو طريق مُعبد وسهل للسلبية في الحياة، وإذا ظل الإنسان يعتنق الأفكار السلبية التي اعتاد عليها، فسوف ينعكس هذا بالطبع على البيئة التي تحيط به والتي يعيش بداخلها، فإذا كان الشخص يرغب في نتيجة مفيدة عليه أن يكون حريصًا على طريقة تفكيره التي لابد أن تتسم بالإيجابية المستديمة.
إن الفرق بين أن تكون متفائلًا وأن تكون متشائمًا! هو مثل الفرق بين اثنين تقدما في نفق يرى أحدهم في أخره طاقة من النور، بينما يرى الأخر أن هذا النفق لا ينتهي أبدًا، فمن الطبيعي أن الذي يرى طاقة النور سيستمر في السير وهو متأمل ومتفائل بالخروج من النفق، بينما سيسير الأخر لمجرد أنه يجب أن لا يتوقف، وكلاهما سيسير ولكن المتفائل سيكون أكثر راحة وسعادة، فهو يسعى وراء هدف، بينما يسير المتشائم وهو مكتئب وغير سعيد..
التفاؤل وهو أن تستجلب السعادة الحقيقية إلى حياتك، ولا تعتقد أن حياة الآخرين هي أفضل من حياتك! فالآخرين أيضًا يعتقدون أن حياتك أفضل من حياتهم، وهذا هو التفكير السلبي الذي سبب لنا فقدان في راحة البال وهدوء النفس، ولا أحد يمتلك حياة كاملة، ولا قلبًا خاليًا، وﻻ رأسًا خفيفًا من الأعباء والمشكلات، فالخير كل الخير فيما يختاره الله لنا.
كثيرون يشعرون بالتعاسة في حياتهم لأنهم لا يعرفون ماذا يريدون؟ كما أن تحديد ما تريده أول خطوة في طريق التفاؤل في حياتك، وإذا أردت أن تنجز شيئًا مهمًا عليك بالتركيز عليه ولا تدع أي شيء يبعدك عنه، وعليك أن تكرر بينك وبين نفسك ما تريده، فهذا التكرار يصنع نوعًا من الشعور الإيجابي داخل عقلك الباطن، ويجعلك قادرًا على فعل ما تريد..
وأنت أمام خيارين في الحياة؛ إما أن تتقبل الظروف كما هي محاولاً التعايش معها، أو أن تقبل بالتحدي ومسؤولية تغيير هذه الظروف لكي تكون أفضل، وأبواب السعادة لا تفتح إلا من الداخل، أي من داخلك أنت، والسعادة تأتيك من الطريقة التى تنظر بها إلى الحياة والدنيا، والراحة النفسية تأتيك من الطريقة التى تسلك بها مواقفك المشبعة بالحُب والتفاؤل.
*ترويقة:*
كثيرًا ما أصادف في حياتي أشخاصًا متذمرين لا يعجبهم شيئًا، محبطين من كل عمل، ويردد الواحد منهم: “هذا حظي السيء – لا يمكن أن أعمل هذا العمل – لا أستطيع فعل ذلك – ظروفي لا تسمح – لا أعلم لماذا أنا هكذا..؟! وغيرها من كلمات اللوم على الحظ أو الآخرين أو الظروف، وهذا يسبب المتاعب للشخص قبل غيره، وتلاحقه سلسلة من المتاعب التي تؤثر على حالته الاجتماعية والنفسية..
فالتفاؤل الحقيقي؛ أن لا تبالغ في وصف المشكلة التي تواجهك، بل حاول أن تقلل من شأن المشكلة، وتتعلم دروسًا في التفاؤل لإيجاد الأمور الإيجابية في الأوضاع السلبية، محاولًا تقييم تجاربك حتى الفاشلة منها على أنها خبرات تضاف لحياتك، ودروسًا تعلمت منها لتكون أكثر صلابة.
*ومضة:*
التفاؤل؛ هو أن تعتبر الماضي صندوق تجارب، والحاضر ساحة تحدي والمستقبل ممر مضئ، وأن تنظر إلى المستقبل بشوق كبير لتغيره للأفضل..
والمتفائل ليس أعمى ولا واهمًا يعيش في الأحلام، وإنما هو واقعي يدرك أن الحياة بقدر ما فيها من المشكلات يوجد إلى جوارها كثير من الحلول، ودمتم متفائلين.
*كُن مُتَفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*