ثمرة التوت: من عطايا الرحمن لبني الإنسان
بقلم أ.د/ أماني عبد الله الشريف أستاذ علم المناعة والعميدة السابقة لكلية الصيدلة للبنات - جامعة الأزهر
من مظاهر إعجاز الله تعالى في خَلق النبات: ثمرة التوت
بقلم أ.د/ أماني عبد الله الشريف
أستاذ علم المناعة والعميدة السابقة لكلية الصيدلة للبنات – جامعة الأزهر
تتجلى مظاهر إعجاز الخالق العظيم في كونه الفسيح (كتاب الله المنظور)، كما تجلت بجلاء في كتابه المسطور.. فقد اهتم القرآن الكريم بذكر الفاكهة، على عموم أنواعها وأشكالها باعتبارها إحدى النعم التي سيتمتع بها أهل الجنة، حيث ميزها الخالق العظيم بجمال شكلها وجمال طعمها وفوائدها الجمة.. قال تعالى: (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) (يس: 57)، وقوله عز وجل: (يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ) (الدخان: 55)، بل إن الله قدَّم الفاكهة على اللحم للإشارة إلى أهميتها كما جاء في قوله:(وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ) (الطور: 22).
ومن الفاكهة التي أثبت العلم حديثا فوائدها الصحية العظيمة، حتى أنها تصدرت قائمة الفواكه التي ينصح بها للوقاية من الأورام وغيرها من الأمراض العضال، ثمرة “التوت” فالدراسات العلمية الحديثة تنصح كل من يبحث عن الصحة وقوة الذاكرة والحيوية والجمال، بتناول التوت، والذي يطلق عليه بعض العلماء “مخزن الفيتامينات” و”مصدر التغذية السوبر”. ومن حسن الطالع ونحن نستقبل شهر رمضان هذا العام ويتزامن معه موسم الامتحانات، أن يكثر في هذا الوقت التوت بنوعيه الأسود والأبيض.
وقد دعانا الرحمن جل وعلا للتأمل في الكون واستقراء كتابه المنظور لنتدبر مخلوقات الله تعالى، ومن بينها النباتات وما بها من قوة شفائية هائلة لكثير من الأمراض والأعراض.
والتوت من الفصيلة التوتية، وهو نبات له أغصان طويلة، وأوراق كثيفة، وثمار مستديرة وصغيرة متعددة الألوان مثل الأحمر، والأسود، والأبيض. والتوت له مكانة خاصة بين الفاكهة لدى كثير من الشعوب والحضارات؛ لقيمته الغذائية العالية. بل إن كثيرا من شركات الأدوية اتجهت نحو إنتاج عقارات تحتوي على خلاصة التوت؛ لما له من فوائد صحية عظيمة. ويتميز التوت بغناه بفيتامينات A وC و فيتامين ب المركب وحمض الفوليك، وفيتامين هـ (ألفا توكوفيرول)، وفيتامين ك (فيلوكينون) ويعد التوت أيضا من أغنى الفاكهة بالمعادن المهمة لجسم الإنسان كالبوتاسيوم والكالسيوم والزنك والحديد والفوسفور والماغنسيوم. بل ويحتوي كذلك على بعض الأحماض الأمينية الضرورية للنمو والألياف المفيدة. كما يشتمل التوت على عدد من مضادات الأكسدة مثل التانين والأحماض الفينولية والفلافينويدات والأنثوسيانيدات والكاتشينيات المثبطة لنمو الخلايا السرطانية (عافانا الله وإياكم).
الفوائد الصحية للتوت:
التوت من أفضل النباتات وأكثرها فائدة لصحة الإنسان ومن ثم يجب علينا الإكثار من تناول التوت إذا ما ظهر بالأسواق. يعد التوت من أغنى الفاكهة على الاطلاق بمضادات الأكسدة. كما أنه من الأغذية القلوية التي تساعد على تنشيط العمليات الحيوية المختلفة وطرد السموم من الجسم؛ لذا فإن تناوله مع تغير الفصول وقرب دخول فصل الصيف يعد فرصة عظيمة لتنقية الجسم من الشوادر الضارة الناتجة عن العمليات الحيوية بالجسم. يضاف إلى ذلك هذا العام بالتحديد تنقية الجسم من السموم طوال شهر رمضان. وللتوت فوائد صحية متعددة نذكر أهمها:
- مفيد لمرضى السكر: يحتوي التوت على بعض المركبات التي تزيد من تخليص الدم من الجلوكوز مثل “الانثوسيانين” مما يؤدي إلى تقليل الإصابة بداء السكرى. كما أن التوت يحتوي على سكر الفركتوز الذي لا يحتاج لإفراز الانسولين مما يجعله أنسب غذاء بين الوجبات لمرضى السكر لتقليل الشعور بالجوع وخفض نسبة السكر بالدم.
- مضاد للأورام السرطانية: التوت وبخاصة التوت الأسود فعال في محاربة نمو الأورام السرطانية بأنواعها المختلفة مثل أورام الرئة والقولون والمريء. وقد أجريت أبحاث علمية كثيرة أثبتت تأثير التوت القاتل للخلايا السرطانية بما يحتويه من مواد كيميائية نباتية لها القدرة على النفاذ داخل الخلايا الغريبة ومنع نموها والقضاء عليها.
- حماية القلب والأوعية الدموية: أثبتت الدراسات أيضا أهمية التوت وقدرته في الحفاظ على صحة الأغشية الداخلية للأوعية الدموية بما يحتويه من جلوكوسيدات.كما يحتوي التوت على مكونات تساعد على سهولة تدفق الدم وتحمي من انسداد الشرايين مثل الأنثوسيانين والألياف المفيدة. كما أن التوت غنى بالماغنسيوم الذي ينظم ضغط الدم.
- تحسين القدرات الذهنية: التوت يحسن وظائف المخ ويقلل ضمور خلايا المخ ويؤخر الشيخوخة ويحسن الدورة الدموية الدماغية، كما يحسن الذاكرة والوظائف العصبية. لذا نجد أن كثيرا من الشركات بدأت تتجه لإضافة خلاصة التوت في تركيباتها لهذا الغرض.
- تحسين الإبصار: تناول التوت بانتظام يحمي العين من مضار الأشعة فوق البنفسجية لاحتوائه على مادة اللوتين التي تكون طبقة عازلة خلف القرنية لحماية العين من ضرر الاشعاع أو التوتر. كما أن الفيتامينات ومضادات الأكسدة الموجودة بالتوت تحمي العين من ضعف الإبصار ومن العشى الليلي.
- تحسين وظائف الجهاز الهضمي: يحتوي التوت على ألياف متعددة تساعد على حماية الجهاز الهضمي إضافة إلى العديد من مضادات الأكسدة الأخرى التي تقاوم الإصابة بسرطان القولون.
- تنشيط الجهاز المناعي: يحتوي التوت على عدد من المكونات التي تنشط قدرة الجهاز المناعي، وتساعده على مقاومة الأمراض مثل المعادن والفيتامينات والاستروجين النباتي.
- تقوية العظام: يحتوي التوت على الكالسيوم والفوسفور اللازمين لنمو العظام وتقويتها، واحتوائه على الماغنسيوم الذي يساعد على زيادة امتصاص الكالسيوم وسرعة نمو الخلايا العظمية.
- العناية بالجلد: يعد التوت من فاكهة الجمال، فهو غني بفيتامينات الجمال التي تبعث الحيوية في طبقات الجلد وتعيد تكوين الكولاجين ومن ثم يصبح براقا ومشرقا،كما أنه يحفز نمو الشعر ويمنع تساقطه.
- مفيد للمرأة الحامل: يعد التوت أيضا باحتوائه على حمض الفوليك من الأغذية عالية الفائدة للحوامل، حيث إنه يساعد على النمو المثالي للخلايا والأنسجة بطريقة سليمة، ويقلل من فرصة ظهور العيوب الخَلقية. كما أن فوائده السابقة تجعل الأم أكثر قدرة على مقاومة الأمراض ويساعد في نمو عظام الجنين والحفاظ على عظام الأم في الوقت نفسه.
لذلك كله وغيره ننصح بتناول التوت والحرص على إضافته على مائدة إفطار الصائمين فيمكن إضافته للتمر أو في حشو الحلويات ومعاملته مثل الزبيب أو تناوله منفردا أو شربه كعصير طازج للحفاظ على الصحة العامة؛ لمَ له من أثر كبير على صحة الإنسان.. وصدق الله تعالى القائل: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ) (الذاريات: 20).
وهكذا وفي كل يوم يثبت العلم الحديث عظيم قدرة الخالق سبحانه وتعالى، وصدق كتابه الخالد، ورسوله الكريم، وعالمية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان.