رقعة التصويت

قراءة في مشهد التحولات المتسارعة ،المتتالية.

بقلم: بلحمدي رابح / الجزائر


 الحملة الانتخابية: من الاستقطاب الهادئ إلى التكهنات الحاسمة


جرت الحملة الانتخابية بشكل عام في أجواء هادئة، بعيدًا عن التجاذبات السياسية الحادة التي رافقت الانتخابات السابقة، حيث شهدت البلاد فترة من الحملات الدعائية المتباينة بين المرشحين الثلاثة الرئيسيين: الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، مرشح حركة مجتمع السلم الإسلامي عبد العالي حساني شريف، ومرشح جبهة القوى الاشتراكية اليساري يوسف أوشيش. ورغم الهدوء الظاهر، إلا أن بعض المؤشرات والتحليلات تُظهر أن الانتخابات الرئاسية القادمة قد تكون محكومة بنتائجها مسبقًا، ما جعلها أقرب إلى استفتاء منه إلى منافسة.


أبرز ما أثار الجدل خلال الحملة الانتخابية هو الاعتقاد السائد بأن استحقاق الرئاسة محسوم لصالح الرئيس المترشح عبد المجيد تبون، وهو ما قد يدفع ببعض المؤيدين للتراخي عن التصويت، ظنًا أن فوز مرشحهم مؤكد. هذا الأمر أظهر نوعًا من الإرباك لدى الحملة الانتخابية للرئيس تبون، ما دفع بعض المراقبين إلى التحذير من التأثير السلبي لهذا التكهن على نسبة المشاركة الشعبية، وهو ما قد يثير تساؤلات حول مدى الشرعية السياسية التي ستستند إليها الفترة الرئاسية المقبلة.


 المال الفاسد وتأثيره في الحملة الانتخابية: تراجع أم تكتيك جديد؟


من أبرز القضايا التي شغلت الرأي العام في هذه الانتخابات هو تراجع تأثير المال الفاسد في العملية الانتخابية، وفق ما صرح به أحمد صادوق، مدير الحملة الانتخابية للمرشح الإسلامي عبد العالي حساني شريف. في السياق ذاته، أكد صادوق أن الحملة الانتخابية جرت في أجواء هادئة وإيجابية، بعيدًا عن الاستقطابات الخطيرة التي كانت تُثير المشهد السياسي في السابق.


لكن، في الوقت الذي يؤكد فيه صادوق على تراجع دور المال الفاسد، تظهر بعض التحفظات والمخاوف من الاجتهادات الفردية التي قد تبرز في المستويات المحلية للتنافس السياسي. هناك شكوك بأن بعض القوى السياسية قد تسعى للتقرب من السلطة المركزية عبر تكتيكات غير شفافة، مما يثير تساؤلات حول نزاهة العملية الانتخابية برمتها. وعلى الرغم من هذه المخاوف، يشدد صادوق على أن المشاركة الواسعة في التصويت تمثل أحد أهم الضمانات ضد العبث الانتخابي، محملاً السلطات المستقلة والمؤسسات الرسمية المعنية مسؤولية الحفاظ على نزاهة الانتخابات.


 الخطاب الانتخابي: بين المسؤولية والإعلام الشعبوي


في هذا السياق، تُبرز الحملة الانتخابية ثلاثة أنماط من الخطاب السياسي التي ميزت المترشحين. الباحث في فلسفة الاتصال وتحليل الخطاب السياسي، عبد العالي زواغي، يرى أن تدخلات المترشحين تميزت بروح المسؤولية، حيث تجنبوا التراشق الشخصي أو الهجمات الأيديولوجية المتطرفة، وركزوا بدلاً من ذلك على الوعود الانتخابية المتعلقة بتحسين الحياة اليومية للمواطن الجزائري. ومن بين هذه الوعود تعزيز القدرة الشرائية، توفير فرص العمل، تحسين البنية التحتية، وترقية الخدمات العامة.


لكن زواغي يشير إلى أن استخدام لغة الخطاب الانتخابي جاء متنوعًا بين العربية الفصحى، الدارجة، والأمازيغية، مما يعكس احترام المترشحين للخصوصية الثقافية للمجتمع الجزائري. مع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية لم تسلم من النقد، حيث يراها البعض محاولة للالتفاف حول المخاوف الحقيقية للمواطنين، ما قد يُفسر على أنه محاولة للتقليل من أهمية التغيير الحقيقي الذي يتطلع إليه الشعب.


 الاستحقاق الرئاسي: بين البحث عن الشرعية وتحدي العزوف الانتخابي


من زاوية أخرى، تأتي أهمية المشاركة الواسعة في الانتخابات كمحور أساسي للنقاش حول الشرعية السياسية للنظام القائم. في الأنظمة السياسية الحديثة، تعتبر نسبة المشاركة في الانتخابات أحد أبرز العوامل التي تمنح النظام شرعيته، حيث تساهم في تعزيز ثقة الشعب بعملية الحكم الديمقراطي.


في الجزائر، فإن تحقيق نسبة مشاركة عالية في الانتخابات لا يقل أهمية عن نتائج الانتخابات نفسها، إذ أن انخفاض نسبة المشاركة قد يؤثر سلبًا على شرعية الرئيس القادم. أستاذ العلوم السياسية حمزة حسام يوضح أن الأنظمة السياسية تسعى دائمًا إلى تعزيز شرعيتها عبر المشاركة الشعبية الواسعة، مما يسمح لها بممارسة السلطة دون اللجوء إلى وسائل القمع.


من هذا المنطلق، يتفق المحللون على أن الانتخابات الرئاسية المقبلة تُعد اختبارًا لقدرة النظام على تحقيق توازن بين الشرعية الشعبية والاستقرار السياسي. لكن في الوقت ذاته، فإن العوامل الاقتصادية والاجتماعية، مثل تراجع القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة وارتفاع معدلات البطالة، قد تؤدي إلى زيادة نسبة العزوف عن التصويت، ما يُضعف تلك الشرعية.


 السيناريوهات المحتملة بعد الانتخابات: تحديات أمام الرئيس المقبل


إذا كانت الانتخابات محكومة مسبقًا كما يروج البعض، فإن الرئيس القادم سيواجه مجموعة من التحديات الكبرى التي ستتطلب منه اتخاذ إجراءات جذرية لتحقيق تطلعات الشعب. أولى هذه التحديات هو إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وهي ثقة تعرضت للتآكل خلال السنوات الأخيرة بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية.


التحدي الثاني يتمثل في تحسين الظروف الاقتصادية للبلاد، خاصة فيما يتعلق بالقدرة الشرائية، البطالة، والتضخم. سيكون على الرئيس الجديد أو المجدد له تعزيز قطاع الإنتاج المحلي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحسين السياسات المالية التي تعاني من ضعف في التوازنات.


التحدي الثالث سيكون في الحفاظ على الاستقرار السياسي في ظل الاحتجاجات المتفرقة التي ما تزال تُذكر بوجود مطالب شعبية لم تتحقق بعد. وفي النهاية نجزم أن الانتخابات الرئاسية في الجزائر لعام 2024 تُشكل محطة هامة في مسيرة البلد السياسية، حيث تتداخل فيها العوامل الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية. النتائج المرتقبة ستعكس ليس فقط من سيقود البلاد، بل أيضًا طبيعة العلاقة بين النظام والشعب، ومدى قدرة الجزائر على المضي قدمًا نحو مستقبل مستقر ومستدام. وفي هذا السياق، يبقى السؤال الأكبر: هل ستنجح الجزائر في تحويل الانتخابات إلى فرصة للتغيير الإيجابي، أم أنها ستظل رهينة لنفس التحديات القديمة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى