الآخر والازدواجيّة اللّغويّة في نظر بختي بن عودة

محاضرة البروفيسور سعاد بسناسي

محمد. غاني. الان
قدمت مؤخرا رئيسة مخبر اللهجات و معالجة الكلام بجامعة أحمد بن بلة 1 و رئيس أكاديمية الوهراني للدراسات العلمية و التفاعل الثقافي الدكتور البروفيسور سعاد بسناسي محاضرة قيمة بعنوان ” الاخر و الازدواجية اللغوية في نظرة بختي بن عودة ” سلطت فيها الضوء على جوانب هامة من الكتابة النقدية التي أسهمت كما قالت في تأسيس النّقد الأدبيّ الجديد استنادًا إلى مقاربات متنوّعة، وكان رولان بارت (Roland Barthes) من بين هؤلاء الذّين ساهموا في تأسيس مشروع نقديّ؛ اعتمادًا على التّحليل والنّقد وتفكيك النّصوص بأدوات وتصوّر نقديّ جديد من منظور سيميائيّ ولسانيّ؛ وذلك لاستخلاص الأبعاد الدّلاليّة بالنّظر إلى النّص متعدّد المعاني والمقاصد، وأنّه يقومُ على أبعاد رمزيّة، وهنا يتمُّ التّركيز على اللّغة بوصفها أداةً للتّفكير والتّعبير والتّحليل؛ ممّا كان له الأثر في إثراء الوعي النّقديّ وتطويره، والاهتمام باللّغة حين التّعامل مع النّصوص كان الشّغل الشّاغل لعدّة مفكّرين وأدباء عبر فترات متلاحقة، وممّن اهتمّوا بالكتابة واللّغة والنّقد والتّأويل من الجزائريّين الأديب والنّاقد (بختي بن عودة) –رحمه الله- وذلك من خلال أطروحته في الماجستير لسنة 1994، والتّي وسمها: (ظاهرة الكتابة في النّقد الجديد مقاربة تأويليّة) وتمّ طبعها، وكانت بإشراف الأستاذ (عبد القادر فيدوح).
ونشيرُ إلى أنّ الرّاحلَ المثقّف (بختي بن عودة) كان مهتمًّا بالبحث في هذا المجال، وما قدَّمه من بحوث ناتجة عن وعي وقراءة متمعّنة ومتوغّلة في جذور الأدب والنّقد؛ بدليل سعة اطّلاعه؛ بحيث قسَّمَ بحثَه إلى خمسة أطراس، وتناولَ في الأوّل إشكاليّة حدوث الكتابة واختلاف المعنى والعالم المكتوب، وفي الثّاني تحدَّثَ عن نحو الكتابة في النّقد التّأويليّ، ووسمَ الطّرس الثّالث بالكتابة بيت الوجود، والطّرس الرّابع بشعريّة النّص المفتوح، والطّرس الخامس والأخير تناول فيه هويّة الكتابة، وتجلّيات الذّات، ومن الطّرس الثّالث آثرنا اختيار حديثه عن من هو الآخر؟ والآخر وحدود الازدواجيّة اللّغويّة، وكذلك حديثه عن الفرونكوفونيّة ووهم العظمة، والنّص والازدواجيّة اللّغويّة.
انطلقَ (بختي بن عودة) من الكتابة وما يسمّى بروح الكتابة، وتكوين ماهيتها كما أشرنا سلفًا عند رولان بارت وموريس بلانشو وجاك دريدا وجوليا كريستيفا وغيرهم ممّن طرحت كتاباتهم جانبًا من جوانب الذّات المفكّرة من أجل مواجهة النّص الذّي هو في أصله شبكة لغويّة دالّة؛ ممّا يتطلّبُ توافر قراءة مختلفة وقارئ متميّز، كما ينوّه بضرورة الخروج عن التّقليد المهيمن على النّقد للوصول إلى تحقيق رهانات مستقبليّة، ويؤكّد (بختي بن عودة) على ضرورة الانفلات من قيود الكتابة، وانفلاتها هي من الرّؤية النّمطيّة؛ لتحقيق سياق ثقافيّ جديد، وتحليل النّصوص الذّي نرصد من خلاله ملامح الكتابة، مع ضرورة تفادي منطق الثّنائيّات الذّي لا يتماشى والعقل الجدليّ؛ بل يُشكّلُ نقيضًا له، وحينها تتجرّد الكتابة من كلّ تبويب وتعيدُ حينها استثمار الأشلاء أو كما يسمّيها (بختي بن عودة) التّشتيت، وفي هذه الأثناء تضطرُّ الذّات إلى مراجعة غير متقطّعة لتقويم الإجراء النّقديّ.
وفي سياق حديث (بختي بن عودة) عن من هو الآخر؟ يرى أنّ العلاقة المعرفيّة بالآخر هي التّرجمة بلا انقطاع لأهمّية الوعي بالعلوم الإنسانيّة هذه الوحدة قائمة في التّقاطعات الممكنة التّي تتحمّل اللّغة وحدها مفهوم نقلها وهي رهان أساسه عند الخطيبي؛ فهو يولي أهمّية لمجال التّعبير الذّي يتحدّد باللّسان، ومجال الفكر الذّي يستحضر اللّسان من خلاله الوقائع ويستوعبها. والذّهاب في حريّة أكثر للتّعامل مع الأخر يشرحها كما جاءت عند الخطيبي لن يكون فعّالاً ودالاًّ إلاّ إذا أدرك أنّ هذه الوحدة هي مطلب تاريخيّ وحضاريّ متألّق واستباقيّ.
والكتابة عنده هي ظاهرة تدعو إلى التّأمّل والتّنقيب، ويكمن التّأمّل في خاصيّتها وفرادتها، ثمّ التّنقيب في المراجع التّي تشير إليها وتدلّ عليها؛ لذلك يبيّن أنّه عاد إلى النّسق العربيّ منها والغربيّ؛ لكي يتمثّل الرّوح التّي تسكنها، ويميط اللّثام عنها، ومنها ينتقل إلى الازدواجيّة وحدودها؛ بحيث يرى أنّ الفرنسيّة لغة الآخر مجال لسانيّ وماديّ يترجم قوّة مدفعيّة تعطّل نموّ الطّبيعة، وكذا جملة القيم التّي تمثّل كتابات تفكّر في ذاتها لتستحضر صورة الآخر في كتاب أو لوحة أو غيرها، ويدعو إلى ضرورة العقلانيّة وتعلّم التّمييز والتّأمّل، والتّعامل مع الآخر بتفكيك منطقه بوصفه نسقًا وننتقل لمساءلة لغته، مع ضرورة إتقان بناء الجمل والرّمز، والهجرة نحو هذه اللّغة، كما يقول والانخراط في لعبها واستعارتها؛ ويبرّر ذلك بقوله: (لأنّ ما هو لغة هذا الآخر يتأجّج كتجربة خلق وإبدال، ولذلك يستوجب الأمر فعّليّة قرائيّة؛ أي فهمًا مضادًا بعيدًا عن كلّ هستيريا، وعن كلّ لاهوت) بمعنى أنّ الآخر في نظر (بختي بن عودة) يقيم فينا عن طريق اللّغة من خلال توظيف كلماتها في السّياق وبحسن فهم أساليبها، ويدلّل على ذلك بما جاء عند الخطيبي باعتباره درسا مكرّسا من داخل الحداثة؛ وذلك حين يتمّ تجاوز توطيد الثّوابت إلى التّكيُّف مع المتغيّرات العاملة داخل اللّغة وخارجها مدمّرة الأشكال المجمّدة للفكر، ومن خلال كلّ هذا يتمّ في نظره تمازج الثّقافات بتوظيف الحوار؛ فالغيريّة هي فضاء لا يدع شكّا أمام الفرض التّاريخيّة لإعادة توظيف الذّات وتعريفها كما يقول، وتتأسّس فكرة نقد الآخر والغيريّة انطلاقا من اللّغة ذاتها، والتّي ستصبح جزءا من أطروحة النّقد المزدوج، ويشير إلى أنّ الخطيبي يلتقي مع أدوار سعيد، وهشام شرابي ومحمّد أركون، وأدونيس وغيرهم في ممارسة النّقد دون مبالغة أو تعليل.
وحينما يأتي إلى حديث الازدواجيّة اللّغويّة ضمن عنوان الفرونكوفونيّة وهم العظمة، يربط ذلك بما ورد عن الخطيبي في التّفريق بين الأدب الفرنسيّ والآداب الفرونكوفونيّة أو المكتوبة باللّغة الفرنسيّة، وأنّ هويّة فرنسا أصابتها خلخلة؛ بسبب اللّغات الحيّة التّي تواجهها وتنافسها، هذا ما يجعله ينتبه للازدواجية اللّغويّة التّي يعتبرها واقعًا يتأسّس في التّاريخ وفي الممارسة، ووجبت مساءلته من منظر اللّسانيّات الأنثروبولوجيا، وينتبه إلى اللّعبة الإغوائيّة للّغة الأخرى (الفرنسيّة) وتصبح أداةً يعيشها الكاتب اضطراريّا مقابل اللّغة الأمّ، وهذه الغواية تتمثّل في دلالات اللّغة، وتسكن مكان التّملّك الذّي سيجعلُ من الكاتب مقيّدا بممارسة الازدواجيّة اللّغويّة وهي تمثّل امتلاك لغة الحبّ من تقليد أدبيّ آخر ممّا يجعل الكاتب مرغما لممارسة هذه الازدواجيّة اللّغويّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى