اللواء د. سمير فرج.. رجل العسكرية والاستراتيجية يستشرف أزمة جزر سليمان

 

 

 

جزر سليمان في المحيط الهادي
تثير قلقاً جديداً مع الصين
لواء د. سمير فرج
في البداية قد يبدو أن هذا الموضوع خارج اهتمامات المواطن المصري، لكن بعد حرب أوكرانيا، ظهر للجميع أن أي حدث يتم في مكان يؤثر على العالم كله، حيث سبق ان كتبت مقالا سابقا بعنوان نحن نعيش في زمن الاواني المستطرقة. لذلك رأيت عرض هذا الموضوع. حيث يبدوا أن العالم لا يريد أن يعيش في سلام واستقرار، فالحرب الروسية الأوكرانية رغم أنها حرب محلية بين دولتين فقط، إلا أنها أصبحت حرب عالمية من حيث التأثير الاقتصادي لكل دول العالم الفقيرة والغنية، وبعد مشكلة الحرب الروسية الأوكرانية، ظهر للأمن العالمي صراع جديد في منطقة القطب الشمالي بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والدول الاسكندنافية من جهة وروسيا والصين من جهة أخري، خاصة بعد انضمام فنلندا لحلف الناتو لتصبح الدولة رقم 31 وأخيراً جاءت المشكلة الجديدة في المحيط الهادي، حيث تولد صراع جديد بين استراليا والولايات المتحدة من جهة والصين من جهة أخري والتي عرفت باسم “مشكلة جزر سليمان”، فهي دولة، جزيرة واقعة جنوب المحيط الهادي، بالقرب من دولة استراليا، ويبلغ عدد سكانها 800 ألف نسمة، تتكون سلسلة جزر سليمان من عدة جزر بركانية كبيرة تقع إلى الجنوب الشرقي من بابوا غينيا الجديدة، بالإضافة إلى جزر أخرى وتتميز الجزر بتضاريس جبلية وغابات كثيفة، وينحدر أكثر من 90 في المئة من سكان الجزر من أصل ميلانيزي، والباقي من عرقيات مختلفة، وكانت هذه الجزر، في السابق محمية بريطانية، تعاني من الاضطرابات المدنية بين الجماعات العرقية التي شهدتها بين عامي 1998-2003 وكادت أن توصلها إلى حافة الانهيار.
فجأة باتت “جزر سليمان” شرارة أزمة دولية جديدة وسبباً لبيانات وتصريحات من أستراليا إلى الولايات المتحدة والصين. وهذه الدولة في المحيط الهادي، تقع ضمن دائرة جغرافية قريبة من أستراليا. إلا أن دولة جزر سليمان قامت بخطوة أثارت ليس فقط الغضب في أستراليا والولايات المتحدة، إنما الخوف أيضاً، بعد التوقيع على اتفاقية أمنية مع الصين ببنود تكشف بوضوح أن أيام أستراليا فيها ربما ولّت. فقد أثارت مسودة وثيقة مسربة الشهر الماضي لاتفاق بين دولة جزر سليمان والصين مخاوف في كانبيرا، عاصمة استراليا، من أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الوجود العسكري للصين في المحيط الهادئ من خلال تواجده في دولة جزر سليمان. أما الأكثر إثارة للقلق في الوثيقة بشكل خاص فهو تضمنها بنوداً تسمح للصين بالقيام بانتشار أمني وبحري في جزر سليمان مع الحفاظ على سرية هذه المهام الأمنية.
من هذا المنطلق، أعلنت وزيرة الخارجية الأسترالية، ماريز باين، أن إبرام دولة جزر سليمان اتفاقا أمنياً مثيراً للجدل مع الصين لن يعني انتهاء التعاون الدفاعي بين بلادها وهذه الدولة الصغيرة الواقعة في جنوب المحيط الهادئ. وقالت أن المعاهدة الأمنية الثنائية قائمة بين أستراليا وجزر سليمان ستبقة سارية حتى وإن تجاهلت الدولة التماسات كانبيرا وأصرت على توقيع الاتفاقية الأمنية مع الصين.
والشهر الماضي أرسلت كانبيرا خطاب من سيسيليا وزير التنمية الدولية وشؤون المحيط الهادئ إلى هونيارا عاصمة جزر سليمان لحضور اجتماع غير عادي مع سوغافاري رئيس وزراء دولة جزر سليمان، الذي كان منخرطا في حملات انتخابية للانتخابات النصفية.
وطلب الوزير الاسترالي من سوغافاري إعادة النظر في توقيع هذا الاتفاق، لكن رئيس الوزراء بقي على رأيه، وبدلاً من ذلك قال سوغافاري بعد الاجتماع إنه سيرسل وزير خارجيته إلى دول أخرى في المنطقة لشرح الاتفاق الأمني مع الصين انطلاقًا من أن دولة جزر سليمان قوية ومستقرة وسيكون هذا الاتفاق مفيداً لأمن المنطقة.
وعلي الاتجاه الآخر اعلنت وزارة الخارجية الصينية أن بكين ليس لديها خطط لبناء قاعدة عسكرية في جزر سليمان، ولا تزال تفاصيل الاتفاق حتى الان غير واضحة، إلا أن المسودة المسربة على الإنترنت، قيل إنها لنص الاتفاق، أثارت المخاوف من تمدد الصين في تلك المنطقة الاستراتيجية إذ تشير بعض بنودها أنه سيتم السماح للبحرية الصينية برسو سفنها الحربية هناك، لذلك من المنتظر أن يتوجه وفدٌ أمريكي رفيع المستوى إلى جزر سليمان الأيام القادمة لمناقشة الأمر مع الحكومة هناك.
وتقول الصين إن الغاية من اتفاق التعاون الأمني هو دعم قدرة دولة جزر سليمان، التي كانت في الماضي محمية بريطانية، بهدف الحفاظ على الأمن والنظام داخل المجتمع هناك، خاصة أن هذه الجزيرة شهدت في الفترة الأخيرة اضطرابات عدة، كما يعاني قطاع كبير من سكانها من الفقر.
وفي نوفمبر الماضي أرسلت الحكومة الأسترالية عناصر من قوات دفاعها للمساعدة في قمع أعمال الشغب الدامية التي اندلعت حينها في العاصمة هونيارا، بعد أن اقتحم محتجون البرلمان في محاولة للإطاحة بسوغافاري رئيس الوزراء.
ولم تؤكد جزر سليمان صحة التفاصيل الواردة في مسودة الاتفاقية التي سربت على الإنترنت، لكنها أعلنت حينها أنها كانت بصدد “توسيع” ترتيباتها الأمنية مع مزيد من الدول و”تنويع شراكة البلاد الأمنية (مع دول أخرى) بينها الصين”، ولا شك أن التحرك الصيني في هذا الاتجاه في المحيط الهادي سوف يغير من استراتيجيات المنطقة وخاصة بالنسبة للوجود الأمريكي هناك الذي كان يعتمد علي استراليا والآن جاء هذا التصرف من دولة جزر سليمان لكي يضع للصين موضع قدم في تلك المنطقة مستغلة فقر هذه الدولة وحاجتها للأموال.. ومن هنا سوف نري الولايات المتحدة الأمريكية في القريب العاجل سوف تتخذ من الاجراءات العسكرية لتقييد دور الصين في دولة جزر سليمان.
وعموما فان الصين بدأت في اتخاذ هذه الإجراءات بعد تصاعد التوتر من جانب الولايات المتحدة تجاه تايوان بدأت بزيارة بيلوسي رئيسة الكونجرس الأمريكي لتايوان ثم زيارة رئيس تايوان إلى الولايات المتحدة. ومقابلة مكارثي، رئيس الكونجرس الأمريكي الذي دفع الصين للقيام بمناورة عسكرية في محيط تايوان وقامت خلالها بمحاكاة طريقة مصار الجزيرة في مناورة أطلق عليها السيف المشترك. ولقد أعلنت روسيا تأييدها لبكين معتبرة أن بكين تتعرض لاستفزازات من قبل الولايات المتحدة.
وعلى الطرف الآخر قال رئيس وزراء تايوان تشن تشان جين ان بلاده لم ترد على هذه المناورات الصينية ورغم أن البعض يرى أن هذه الاستفزازات والمناورات قد تؤدي إلى اشتعال الحرب في هذه المنطقة من العالم، لكنني أؤكد أن الصين لديها من العقلانية ألا تدخل في نزاع عسكري يوقف تقدمها الاقتصادي او في حرب تستنزف فيها نحوها الاقتصادي لذلك تعمل كل الأطراف حاليا على تحقيق أمنها القومي. خاصة أستراليا واليابان ومعها الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة.
931

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى