*خل مع مرق كوارع*

✒️ صَالِح الرِّيمِي :-

المطبخ اليمني غنيٌ بالعديد من المأكولات المتنوعة بامتداد جغرافيته، وأغلبها تؤكل في دول الخليج العربي، ومن أشهرها: المندي، والمظبي، والمدفون، والهَرِيس، والعَصِيد، والمخمود، والمدفون، والزربيان، والمطفاية، والشفوت، والسلتة، واللحسة، والفَحْسَة، والسوسي، والمقلقل، والكاتليس، والقِلابَة بالفخار، والسحاوق، والمعصوب، والعريكة، والمرسة، والمُطَبَّق، والمجنونة..
انتهت مقدمة المقالة “بأكلة المحنونة” ومنها سأبدأ مقالتي، قبل سنوات مضت كنت في اليمن وبالتحديد في مدينة الحديدة، دخلت المطعم للإفطار، جلست على الطاولة، وبدأت بقرأءة ورقة أصناف الطعام، ومما قرأت “المجنونة”. ناديت النادل وسألت عن هذه المجنونة، فقال هي عبارة عن بطاطس، بيض مسلوق، جبن مالح، جبن سائل، جبن مثلث، بسباس أحمر مطحون، فلفل أسود، كمون، ملح، مربى فراولة حسب رغبتك، فقلت توكل على الله وجيب لي نفر مجنونة.

صدقًا اسم المجنونة أفجعني لكن طعمها كان لذيذًا جدًا، ولهذا صار ديدني إذا دخلت مطعم أبحث عن أكلات جديدة لم آكلها، ومن المواقف الطريفة التي مرت عليّ في إحدى سفرياتي ‏عرضتْ عليّ مضيفة الطائرة قائمة من المشروبات، وكلها أعرفها عدا مشروب اسمه “سوجيني”، وجاء في وصفه: مشروب فوار لذيذ زهري يصنع من أجود أنواع العنب، فقلت: “سوجيني” على بركة الله، وحين تذوقته وجدته مشروب نصف مصيبة، كماء مخلل مع مرق كوارع بلا ملح ولا توابل! اسم براق ومذاق كريه، وهنا لم أقصد أن أعيب الطعام، وإنما قصدت أن الاسم جميل لكن الطعم غير ذلك.

ومرةً كنت ضيفًا لشخص في مطعمٍ مشهور، فطلب مني المُضيف أن أطلب وجبة طعامي حسب رغبتي وذوقي، فطلبت أكلة كان فيها الاسم طويلًا وغريبًا، فلما قرأت الترجمة للمواد المصنعة منها رأيت أن الوجبة تبدو شهية ولذيذة، لكن عندما ذقت الوجبة تبهذلت، “محشومة النعمة”، ما إن أكملت اللقمة الثالثة حتى شعرت بالغثيان والاستفراغ من طعمها..
فقلت في نفسي يا ليتني طلبت نصف حبة دجاج مع أرز بخاري وقارورة بيبسي والسلام، كثيرة هي الألقابٌ والأسماءٌ لكنها قد توجد في غير موضعها، بعد هذه التجربة والمواقف أصبحت أتبع قاعدة المثل الشعبي المشهور: “وجهٍ تعرفه ولا وجهٍ تنكره”، كالهرِّ يحكي انتفاخًا صولة الأسدِ.

*ترويقة:*
بحسب كلام ابن خلدون في مقدمته: “أن النفس مولعة بالغرابة”، والغرابة متغيرة ومتحركة، لكن بعدما شربت هذا المشروب وأكلت تلك الوجبة، أصبحت لا أبحث عن أي أكلة غريبة، وصدقًا هذا المشروب وهذه الأكلة ذكرتني ببعض الأشخاص عندما تتعامل معهم، تجد أسماءهم خداعة واشكالهم براقة وحديثهم ماتع، لكن عند أول منعطف أو خلاف تجد العكس، الأسماء والأشكال لا تدل على حقيقة أصحابها، كاسم مشروب “سوجيني” طعم خل مع مرق كوارع.

*ومضة:*
بعد هذه التجربة تذكرت قول جرير:
يا ليت ذا القلب لاقى من يعلله
أو ساقيا فسقاه اليوم سلوانا

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى