*موازنة 2023 بين مِطرقة الكساد وسنّدان التضخم وتحدي الصمود*

حالة من التجاذب الغريب يشهدها الإقتصاد السوداني ( نُذر كساد) مظاهره في البطالة وتعطل الطاقة الإنتاجية وإنخفاض مستوي الطلب وهذه تحتاج حقن لتنشيط دورة الإقتصاد وتخفيض تكاليف الإنتاج لزيادة مستوي الطلب فهذه ( *المِطرقة* ) كما برزت حالة من التضخم ظهرت آثارها علي الدخول والأسعار والقوة الشرائية وهذه هي ( *السندان* ) نتجت عن هذه الأحوال حالة من التناقضات يمكن تسميتها (بالتناقضات المنسجمة) طالما تعايش الناس معها. مرة إرتفاع حاد في معدلات التضخم ومرة إنخفاض دون شعور بإستقرار الأسعار فالذي حدث أصبح إرتفاع الأسعار بمستوي أقل مما كان عليه حتي وصل حاجز ال89٪ بالمقارنة دون إحداث أثر مباشر. ومستهدف حسب موازنة العام الجديد و بنهاية 2023 أن يصل التضخم إلي 25٪ وبدون أي تلوين أو تلميع لن يكون الإقتصاد قادراً علي تحمل آثار رفع الدعم وتطبيق سياسة التحرير الإقتصادي وتعويم الجنيه السوداني مالم يكن التضخم *10* ٪ أو أقل من ذلك قولاً واحداً ولن ينخفض التضخم دون ضخ مباشر في شرايين الإنتاج لزيادة العرض المحلي وبالتالي زيادة الطلب وبالنتيجة معالجة الأوضاع .

( *تحدي الصمود* )

ظل الإقتصاد السوداني يعاني خلال الثلاث سنوات الماضية بصورة حادة ويظهر ذلك من خلال تباطؤ مؤشر النمو في الناتج المحلي الإجمالي فقد بلغ النمو في العام *2020 بالسالب (_ 3.6 ٪) وفي العام 2021*(_1.9 ٪) وفي العام 2022 بلغ ( *0.3* ٪) وهذا التباطؤ في نمو الإقتصاد يرجع لعدة أسباب أهمها تعقيدات لازمت الإقتصاد العالمي خاصة أكبر ثلاثة إقتصادات في العالم (أمريكا _ الإتحاد الأوربي _ الصين) بفعل جائحة كورونا وآثار الحرب الروسية الأوكرانية …….. هذه كأسباب خارجية ساهمت في تدهور إقتصاد السودان بإعتباره جزءاً من منظومة الإقتصاد العالمي ولكن السبب المباشر في تدهور الإقتصاد السوداني يعود إلي تنفيذ الحكومة *لروشتة صندوق النقد الدولي حرفياً* خاصة تعويم الجنيه دون غطاء نقدي كافي عبر إستقطاب منح أو قروض والتي كان من الممكن أن تخفف علي كاهل المواطن الذي أثقلته الضرائب و هذا الطريق القاسي الذي تسبب في تعطيل الإنتاج الزراعي والصناعي بسبب الضرائب وركود الأسواق حيث بدأت رحلة إنخفاض قيمة الجنيه السوداني بمعدلات عالية وجاءت *الكارثة الكبري* بشراء الحكومة للدولار من السوق الموازي حسب ماتردد حينها للوفاء بإلتزامات سداد مبلغ أكثر من 300 مليون دولار للحكومة الأمريكية لتسوية قضايا ضحايا المدمرة كول والتي شكلت كارثة لإنهيار سعر العملة الوطنية ولأن الشراء في ذلك الوقت لن يكون إلا عن طريق الطباعة كانت الكارثة الأكبر هي الإرتفاع الخيالي للتضخم وقادت هذه النتائج إلي مأساة الكساد والركود التضخمي الذي يعيشه الإقتصاد السوداني حالياً ويتطلب الأمر تدخلات مباشرة لتوسيع مظلة الحماية الإجتماعية للفقراء والمساكين ومحدودي الدخل ( *أدعموا وشجعوا التعاونيات الإنتاجية والإستهلاكية والخدمية*…… *وافقوا علي زيادة المرتبات دون تردد فالفجوة تتسع بين الدخل وتكلفة المعيشة* ) فالخطأ ليس في تحرير الإقتصاد فهذه سياسة مطلوبة ولابد منها في ظل إقتصاد عالمي حاكم وموجه. ولكن الخطيئة في توقيت التحرير والعجلة ( *فمن إستعجل الشئ قبل آوانه عُوقب بحرمانه)* والإستجابة دون تغطية وتدابير . ليس من الحكمة أن تدخل في معركة فُرضت عليك فرضاً فهزيمتك واقعة لامحالة …… فشقي الناس والإقتصاد بطبيعته عندما يتدهور ويتأزم وينحو نحو الإنهيار لايستثني أحداً والأثر الأعمق علي الفقراء ومحدودي الدخل لذلك أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء فرحمة من في الأرض تجلب رحمة الله جلّ في علاه كما أن حماية المنتجين تستدعي إقرار سياسات وإجراءات تكفي لحمايتهم وإستدامة الإنتاج….. أفتحوا باب الصادر للذرة والبصل وأوفوا بأسعار القمح التركيزية فليس من الوفاء أن تشجع المنتجين لإنتاج محصول إستراتيجي ولايتم التدخل للحماية عند إنهيار الأسعار فالأسعار التركيزية التي تعلنها الحكومات إلتزام قطعي بين الحكومة ومواطنها فإن زادت الأسعار لصالح المنتجين خير وبركة وإن إنهارت هنا تتدخل الحكومة وفاءاً لشرط حمايتها للمنتجين وإعلانها للسعر التركيزي الذي بموجبه دخل قطاع عريض لإنتاج المحصول المعني (القمح) كما لابد من تسهيل إجراءات صادر القطن والفول السوداني والسمسم وكافة محصولات الصادر بجملة من السياسات أهمها تشجيع محافظ التمويل لهذا الغرض وتسهيل كافة الإجراءات *أدعموا* مدخلات الإنتاج……. *يسروا* إجراءات التمويل مثل هذه السياسات كفيلة بطمأنة قطاع الإنتاج الحقيقي وتشجيع المنتجين للإستمرار في الإنتاج حتي لايخرجوا من دائرة الإنتاج والعمل والدخل إلي دائرة البطالة والفقر والعوذ فضلاً عن قصور الإنتاج المتوقع يزيد من تكلفة فاتورة (الإنتاج البديل) الإستيراد …… وفيما يلي منتجي الذهب خاصة التقليدي فلابد من *دعم* *الجازولين* بعدم فرض أي ضرائب أو رسوم عليه فالجازولين عنصر حاسم في عمل الآليات المستخدمة في الإنتاج وفي نقل المنتج وتشغيل طواحين طحن الحجر…… وسهلوا لمنتجي الذهب التمويل للدخول في جولات تمويلية إنعاشية كذلك *جمدوا* كافة الرسوم المفروضة علي الذهب في مراحل ماقبل الإنتاج النهائي.

مالم تتهيأ الظروف المناسبة وتتناسب البيئة العامة لن يكون مفيداً وممكناً تحرير الإقتصاد ودمجه عالمياً ومعالجة تداعياته وآثاره في آن واحد لأن تعطل حركة الإقتصاد آثارها سريعة وحادة .

من خلال مانُشر بخصوص توقعات موازنة ومؤشرات العام 2023 يتضح أن هنالك *تحدي* كبير يلازم تعبئة وحشد وتحصيل إيرادات الموازنة المقدرة ب ( *7.363 مليار جنيه* ) خاصة في جانب الإيرادات الضريبية عبر الجمارك والضرائب علي الواردات التي من المتوقع أن تعاني في تدفقاتها بسبب التكلفة الضريبية العالية والركود العام في أسواق البلد مما يجعل الضرائب الغير مباشرة والتي يتحملها المواطن هي المصدر الأساسي للإيرادات بعد إنعدام مصادر الإيرادات الحقيقية المتمثلة في الإنتاج والأرباح وبالتالي محدودية في قاعدة الضرائب المباشرة وكذلك تعثر ربما يلازم تحقيق هذا الربط الأساسي في هيكل إيرادات الحكومة .

لن تتحسن مؤشرات الإقتصاد طالما الحكومة تبني دخلها علي جيب المواطن والمواطن لن يتحمل أكثر مما تحمل خلال السنوات الأخيرة مما يستدعي ضرورة التحسب والعمل علي خطة ( *ب* ) لإستدراك مايمكن إستدراكه وذلك عبر خيارين لاثالث لهما فإما أن يتحمل المجتمع الدولي والإقليمي مسئولياته في إنقاذ الإقتصاد بإسعافه والتعاطي معه بإحترافية ومنظومة قيم وتبادل منافع وهذا لن يحدث لأسباب سياسية معلومة مما يقتضي أن تتخذ الحكومة إجراءات تقود إلي الإستقرار السياسي الذي لن يحدث بدونه إستقرار إقتصادي وتعود الحكومة لإعادة ترتيب تحالفاتها الإقليمية والدولية بما يحقق مصالحها الإقتصادية بالدرجة الأولي وأن تطبق سياسات التحرير الإقتصادي بما يحقق لها الإستقرار والنمو والتطور الإقتصادي بعيداً عن الإلتزام الأعمي ببرامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي لم ينتج عنها حتي الآن إلا التدهور الإقتصادي الكارثي الذي يعاني منه البلد الآن…… *والخيار* *الثاني* يتمثل في تعطيل سياسة التحرير الإقتصادي بالجملة إلي حين الإستقرار …..كما من الضروري تمويل عجز الموازنة بالإستدانة من بنك السودان طالما العجز في حدود 1.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي وهذه نسبة في غاية المعقولية والمقبولية فلابد من خفض تكاليف الإنتاج وزيادة الحافز علي الإستثمار وخفض الضرائب ولو أدي ذلك لزيادة العجز في الموازنة إلي 3 أو 4 ٪ من ناتج الإقتصاد فلا قلق في تمويله بالإستدانة طالما كان في الحدود الآمنة كما أن التضخم المتوقع لن يكون مزعجاً مقارنة بتعطل حركة وحراك الإقتصاد وكساد الأسواق .

الموازنة كأداة إقتصادية لن تسهم في إستقرار الإقتصاد مالم تصاحبها سياسات وإجراءات وتدابير وقرارات تدعم منابعها ومصادر تمويلها .

الدرباي ود جراب الراي
2 شهر 2 سنة 2023

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى