فن صناع النكد

✍ صالح الريمي :- 

في هذه الأيام هناك من يصنع السعادة، وهناك من يصنع النكد، والصانعون للنكد كُثر، ما إِن تجلس مجلس قوم وتحاورهم أو تناقشهم إِلا وتسمعُ منهم التذمر والتسخط من الحياة والظروف والأحوال وإِصدار الشكاوى كقلةِ المالِ ونقصِ الرواتبِ وزيادةٍ في الصرفِ وثقلِ الهمومِ وكثرة المشكلاتِ وغلاءِ الأَسعارِ..فالحمدلله نحن في نِعم لا تعد ولا تحصى فماذا نرِيدُ بعد؟! وإِلى أَين نريدُ أَن نصِل…؟ أسْقُفُنَا تَسَتُّرُنَا وطعامُنا يمْلَأُ مطابخنا وثيابنا تمْلأُ خزائِننا وأَمنٌ وأَمانٌ يحتوينا من كلِّ جانب، نُسافِرُ من مدينة إِلى مدينة ولا نخافُ صاروخ يقعُ علينا أَو قُطَّاعُ طُرقٍ يسلُبوا أَمتعتنا، فقط فلنتذكر حالَ جيراننا من الدولِ التي فيها حَرْبٌ، كيفَ أَحْوالُهُمْ اليوم.!!

وما النكد إِلا حالةٌ من الضيقِ تنتابُ الإِنسانَ وتجعلهُ لا يرى أَي شيءٌ جميلٌ في حياته، هؤلاءِ أَسميْتهمْ صناع النكد لأن النكد أَصبحَ هوايةً يمارسونها وطبع متأَصلٌ تغلغل في أَفكارهم وعقولهمْ، فلا يريدونَ أَزاحتهُ من حياتهِم وفي مجالسهم، ومصيبةُ المصائبِ إِن كان أَحدهم يلتفُّ حولك أو قريب منك..
صناع النكد لسان حالهم التذمر وكثرةُ الشكوى والعتاب والهجوم والتحدث بالهموم، والتأَفف والتضجر والنظرةُ السوداء، هَوُلَاءِ ينشُرونَ الإِشاعاتِ ويتداولونها في المجتمعِ حتّى يعكسُ هذا الضيقُ وعدم ارتياحهم على حياةٍ الآخريْنِ وأَحوالهمْ، ولهذا من أسوأ المهارات التي تكتسب في الحياة ومن أرذل الصفات التي يتصف بها البعض صناعة النكد.

النكدي يملك الكثيرُ ومع ذلك لازال يتسخط ويتذمر ويشتكي!! فهلْ نسيَ أَنه بالشكرِ تدومُ النعم وبكفرها وجحودها تزولُ؟؟ وهل نسيَ عبارة لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا!!
هلْ نسيَ أنه من يكثرُ الشكوى والتسخط يجلبُ لحياتهِ السخطُ وتزولُ منهُ نعمُ اللهِ، فعلى قدرِ رضاءكَ بِحياتكَ تكُنْ سعادتُكَ!. فمِنْ رَضِي فله الرضا ومنْ سخطٍ فله السخط..
أَيُّهَا النكدي لا تظُنُّ أَن حياةً الآخريْنِ أَفضل من حياتك، فقدْ تجدهمْ يمُرونَ بِظُروفٍ أَصعب وحياةٍ أَسوأَ، فالهُمُومُ من سنَنِ الحياةِ، فالخيرُ كلُّ الخيرِ بِحفظٍ لسانكِ من الشكوى والتذمُّرِ، وغيْر حياتِكَ وتفكيرِكَ، واِزرعْ الاِبْتِسامةَ والتفاؤُل، تكسبُ وتغنمُ خيرًا، واِبتعِدْ عن زراعَةِ النكدِ والكآبةَ فيمنْ حولكَ.. وكُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك.

*ترويقة:*
بالأمس أنهيت الفصل الأخير من قراءة كتاب بعنوان صناعة النكد للدكتور خالد المنيف، وخرجت بخلاصة ونتيجة واحدة من قراءتي للكتاب: «من السهل أن نحول حياتنا إلى حياة ملؤها النكد والحزن، والأسهل أن تحول حياة الآخرين إلى دمار بمهاراتك وذكائك السلبي..
اللهم احمنا من النكد والمنكدين علينا.

*ومضة:*
قَالَ تَعَالَى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)..
قَالَ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آَمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهِ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَانمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا) . 

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى