عوائق التنوير الثقافي

بقلم /السفير الدكتور عبد الولي الشميري


التنوير اسم جذاب شائق، تطلقه كل طائفة من الناس. على من ما تحب من أعمالها،أو اتجاهاتها ولو كانت أعمالهم ظلامية كالليل البهيم. ونحن نتجنب التعرض لامثلة تدل على ما تقول. لأننا  نريد الصواب التنوير ،وفي نظري لا يأتي إلا بالعلم المفيد. والأدب الرفيع، ولا يوجد العلم المفيد والأدب الرفيع إلا بأحد أمرين:
الأول: المعلم المربي المؤدب الناصح، و هذا لا يتوافر  في غير علماء التنزيل، ومن أكرمهم الله بخير الدنيا والآخرة، وقليل ما هم.
والثاني: هو الكتاب، “وخير جليسٍ  في الزمان كتابُ” فأي كتاب يكون صالحًا للتنوير؟ هل هو كل ما يطبع ويباع؟ الجواب الصواب : لا، ولكن الغالب الأعم في الكتاب أن  يكون مفيدًا منيرًا. فهل يا ترى ذلك الكتاب المنشود يمكن الوصول إليه بسهولة ويسر، أم أن هناك عوائق وصعابًا تحول دون الوصول إليه؟وما هي إذن؟
لقد تأملت مليًا في مسألة وصول الكتاب بيسر إلى عشاقه مدمني القراءة؛ فرأيت سبع مشكلات لصيقة  بعالمنا العربي، و واقعنا الثقافي :
المشكلة الأولى: مؤلف الكتاب وحقوقه المادية.
المشكلة الثانية: الناشر وعائده الاستثماري من تكلفة الكتاب.
المشكلة الثالثة: هوس الموزعين في عدم القناعة بنسبة معقولة من البيع تتراوح بين ٢٠:٢٥% من تكلفة الكتاب.
المشكلة الرابعة: الرقابة الحكومية التي لا زالت تعيش أجواء الأنظمة الشمولية، وما زالت تصنف الكتاب بين كتاب معارض ممنوع، وكتاب موال مسموح. وذلك بغض النظر عن  فائدته وفائدة محتوى الكتاب ومردوده الثقافي: سلبًا أو ايجابًا، نافعًا أو ضارًا.
المشكلة الخامسة: الجمارك والضرائب التي تفرضها الدولة العربية على الكتاب بمجرد نقله من قطر الى قطر.
المشكلة السادسة : أجور الشحن للكتاب سواء كانت جوًا أو بحرًا؛ فيعامل الكتاب كأنه سلعة تجارية، ولسوء  حظ الكتاب أنه أثقل السلع وزنا.
المشكلة الرابعة: الحدود السياسية للكتاب بين الدول العربية.
هذه المشكلات السبع لا يوجد معظمها في بواكير نهضة العالم الغربي المتحضر ، وقد أدرك الغربيون في بداية الصحوة الصناعية كل تلك المشكلات، وغيرها؛ فقدموا حلولاً مبالغةً في الحفاوة بالكتاب ابتداءً من تخفيض قيمة مادة الورق الخام، وهي أشجار الغابات، حتى رصدوا أموالًا في ميزانيات الحكومات لشراء غابات من الدول الفقيرة في الشرق الآسيوي ،والجنوب الأسترالي، وفنلندا ؛ كدعم مادي لترويج الورق ومن أجل عيون الكتاب الثقافي ومحاربة الجهل والامية.
لقد رأيت في الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا ظاهرة انتشار المكتبات العامة المتكاملة في معظم الحدائق الصغيرة، فضلا عن الكبيرة؛ ومع كل نادٍ اجتماعي مكتبة مزودة بكل شيء. حتى بعض المسابح العامة وجدت بجواريها مكتبات صغيرة تضم كتيبات يمكن تصفحها وقراءتها خلال الاستراحة على رصيف المسبح، والقارئ مستلق على ظهره تحت الشمسية حتى شواطئ فلوريدا المرحة بلحومها البيضاء الرخيصة لا تكاد تخلو من متعة تيسير القراءة.
اما بعد: فهل آن الأوان وبصراحة متناهية لمناقشة هذه المشكلات السبع التي تشكل حاجزًا منيعًا أمام وصول الكتاب الثقافي إلى كل بيت؟ وإذا قلنا نعم سوف نبدأ من أول المشكلات، وأهمها المؤلف، والحقوق المادية التي ينتظرها المؤلف من نتاج عمله عمله  وثقافته؛ فهل سيتسامح  معي الأخوة المؤلفون إذا ناديت بمبدأ إسقاط الحقوق المادية للمؤلف؟ ويكون له بديلاً عن ذلك عدداً من النسخ المطبوعة من كتابه ليهديها لأصدقائه، ولمن يريد. ويكفيه شرف رسالة العلم كونه يدخل كل بيت بفكره وعلمه واسمه، ويصبح استاذ الأساتذة ،  كفى بذلك عائدًا معنويًا، ونكون قد رفعنا عن كاهل الكتاب أولى العقبات الكئود  من طريقه.  ولا يعني رأيي هذا إسقاط حقوق الملكية الفكرية و إتاحة الفرص للصوص الأسماء والألقاب ليضع اسمه على كتاب ليس من علمه ويقوم بترويجه ونشره ولكن أقصد إسقاط الحقوق المالية كعائد استثماري للجهد والإبداع للمؤلفين فقط. على أن تقوم مؤسسات الحكومية المتخصصة برعايتهم ماديًا لعل هذه الصرخة، وهذا النداء يجدان سبيلاً لأسماع أصحاب الأقلام إذا كانوا محبين لنشر أفكارهم وعلومهم وتكثير تلاميذهم و قرائهم،مذكرًا اياهم بأن ما يعود لهم من مقابل مادي حاليا من الناشرين لا يكاد يذكر، ولا يسمن ولا يغني من جوع، ولكن مع ذلك هو أول المشكلات والعقبات في طريق انتشار الكتاب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى