*زراعة الأخلاق*

✒️ صَالِح الرِّيمِي

حضرت بالأمس مع صديق لي معرضًا تسويقيًا للأجهزة الإلكترونية، كعادتي أتلهف إلى كل ما هو جديد في عالم الإلكترونيات من باب المعرفة..
بدأت بالتجول في المعرض لكسب بعض الخبرة ولمعرفة آخر ما توصل إليه العالم في الإلكترونيات، لفت انتباهي مقر عالم سوني، إذ يوجد به شاب وسيم مبتسم بوجه كل من قابله، وعندما أتينا له استقبلنا ببشاشة وبطلاقة الوجه، تحدث إلينا، مهتمًا ومرحبًا بنا، ثم أخذ يشرح لنا عن آخر ما توصلت إليه شركة سوني، وعند ذهابنا أعطانا بعض النشرات عن الشركة عارضًا علينا في حال رغبنا بتخفيضٍ من شركة سوني يمكننا تعبئة طلب التخفيض..! انتهى..

ومنذ فترة ليست بالقصيرة زرت مركزًا وطنيًا لأشارك في دورة تطوعية، دخلت على موظف الاستقبال، سلمت. رد السلام ولم ينظر إلي، له العذر فقد كان مشغولًا بالجهاز المحمول، سألته هل يمكنني أن أحصل على طلب المشاركة؟.
قام من مقعده مشكورًا، بوجه عبوس متجهم لم أرَ أسنانه البيضاء الجميلة كجماله الظاهر، ثم فتح درج مكتبه وأخذ منها ورقة وأعطاني إياها دون شرح أو تفصيل، أخذت أقرأ الطلب وأنظر إليه لعله يقدر أن أمامه إنسان، أو يرمق حتى جمالي وهندامي، سألته سؤالًا: ماذا أكتب هنا؟ أجاب: اكتب الذي تريده!

أخذت أملأ الطلب وكلي استغراب من استقباله، ثم استفسرت مرة أخرى عن شيء لم أفهمه، جاء بنفس الجواب: اكتب الذي تريده!!
شعرت بضيق في الصدر والقهر على تعامله الراقي، أنهيت تعبئة الطلب بسرعة وأعطيته الورقة مبتسمًا له، لعله يودعني بابتسامة أو بكلمة جميلة، لكن باءت كل محاولاتي بالفشل، قلت له مودعًا: السلام عليكم، رد السلام بكل برود، وبحسن الظن قلت في نفسي لربما عنده مشكلة أرَّقت حياته، المهم خرجت من عنده مستاءً من سوء تعامله واستقباله لي، سامحه الله.! انتهى.

والسؤال هنا: لماذا وجدت حسن المعاملة ومكارم الأخلاق في المعرض ولم أجده هناك مع أنه مركزًا وطنيًا؟ في ظني القاصر ربما أحيانًا الكثير منًا يتصرف تصرفات سلبية وهو ليس راضٍ عنها، ولكن يعتبرها تصرفات لاشعورية يقوم بها بطريقة آلية لأنه جُبل عليها وتعلمها منذ الصغر، فانطبعت وأصبحت عادة من عاداته الأخلاقية، وكما يقال: “الإنسان ابن بيئته”..
الأخلاق هي الصفة التي يتصف بها الإنسان سواء كانت جميلة أو سيئة، وتنبع من الدين و تعاليمه القيمة..
ولهذا زراعة الأخلاق في النفس البشرية لها الأثر الكبير.. وكم من نفس حدث لها صراع بين الطبع والتطبع ودارت الحروب النفسية بينهما وفي النهاية كان الانتصار لصالح الطبع لأنه الأساس فنحن نتجرع الأخلاق جرعة جرعة، وتزرع في نفوسنا منذ الصغر.!

*ترويقة:*
دعوني أتوقف لحظات أمام هذه الكلمة “زراعة الأخلاق” التي تحمل بين طياتها الكثير والكثير وأتساءل كم زرعنا وكم حصدنا؟ وكيف كان حصاد ما زرعناه؟
زراعة الأخلاق وغرس القيم هي إحياء القلوب الميتة، وإنعاش النفوس المريضة، وما تغرسه اليوم ستجنيه غدا فإذا زرعت حبًا – تحصد – برًا وودًا، وإذا زرعت غلظة – تحصد – كرهًا وقسوةً وعقوقًا وتذكر قوله تعالى: (ولو كنت فظًا غليظ القلب لأنفضوا من حولك).

*ومضة:*
قال تعالى: (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم والقائم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (خياركم أحسنكم أخلاقًا).

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى