لحنٌ شارد

 

 

 

 

 

بقلم المهندس شاكر هاشم محجوب – جدة

عجلة الزمن تدور، الوقت يمضي، عقارب الساعة لا تتوقف، وأنا غارق في بحور الإنتظار طويلاً لتعود من رسمت إسمها بحرقة الغياب، من تستوطن فؤادي وأحببتها بكل جوارحي.أنتظر ذلك القطار حاملاً معه فرحة عمري وحلمٌ يغمرني بالحياة أنتظره وكأنه في منتصف الطريق، ليس بالبعيد فيسعد قلبي وتهدأ نبضاتي وليس بالقريب فيثور حنيني فأحرق بحمم الأشتياق .

باتت مقاعد الإنتظار تعرفني، كل الحوائط والأبواب تتملقني، كل شيء في المحطة يرمقني بنظرات العطف، حتى مرايا الشبابيك تتأملني بنظرات البؤس والألم، حفظت كل مطارحها، كل العابرون والمسافرون ذهاباً واياباً، أرتسمت ملامحهم في ذاكرتي. ويطول الإنتظار ويشيخ العمر ما بين قطارٍ آت وقطار مفارق، عيناي تلاحق القادمين، وإن تغيرت الوجوه وتغير كل شيء وحتى مواعيد الوصول.

وفي غفوة من الوقت، يدنو مني عاملٌ قديم، وملابسه الرثه تحكي عن ذكريات عمره العتيق، يهمس في أعماقي ونظرة الحزن ترتسم على وجهه، سيدي.. ” الأمنيات إن لم تتحقق؛ مجرد سراب، فلا تجعل من الحياة لحظات إنتظار لأحدهم فكل العمر أقدار، وقطار الوقت يمضي ولا يعود، يبدو أنك أخطأت الإختيار”، أردد في خاطري صدق الحكيم فكأنه يقصد أن يقول.. رحل الحب ولن يعود، وأخشى ان تعيش الشتات بين عناوين المحطات.

تركني ومضى، وبقيت أهذي مع أحلامي، الصبر ينفذ، المسافات تتباعد، القلوب تصدأ والحياة تمتطي قطارًا أهوج، محظوظ من يلحق به، تعيس من يتعلل بالنصيب. هل سأبقى وحيدًا حبيس سخرية التجاعيد وهمزاتها، تختنق بي الحياة وتهزمني السنين، يمضي العمر، تموت اللحظات، وأحلامي ليست سوى محطات يتوقف فيها ذلك الحب، الذي تُكتب فيه الذكريات على جدار الأمنيات، ويبقى تحت ظلال القدر في أرجوحة الزمن، يغازل ملامحي الحزينة، ويتسكع في أروقة الآهات يداعب بخبث حنين الغياب.

فمازالت تلك النبضة القديمة تشدو بلحنٍ شارد ليس له إيقاع، تحفر في أعماقي، تؤرق مشاعري، تزلزل أحاسيسي، تداعب أجفاني، تتألم من قسوة الإهمال، تهيمن على الوجدان وتمني النفس بيومٍ ما تتلاقى أنفاسنا على حلمٍ سرمدي ظلاله موعد وعناق، وتعود رتابة الروح إلى الحياة.

كم أخاف أن تتقطع بنا حبال الأمل، ونبقى بعيداً عن كل شيء، نتقوقع في عالمٍ خاص، غريب، بمعزلٍ عن كل المشاعر والعواطف. تمر بنا الأيام وننسى أنفسنا، نستيقظ فجأة ونجد أجمل أيام العمر قد رحلت بلا عودة. ودون أن نتنبه إلى أننا خذلنا ذاتنا، شحبت ملامحنا وهرمنا قبل الأوان، سبقنا الزمن أخذاً معه قوتنا وبأسنا وخلف وراءه رياحٌ تسرق ألوان عنفواننا.

نمضي ونجهل أي المحطات تختطفنا تحتوينا بين أضلاعها نلقي عن ظهورنا كل شيء، ونصبح كريشة تسبح في الفراغ، ليتنا نعلم متى وأي أرض ، ربما يطيب لنا فيها المقام ،فيحق لنا أخيراً أن نستقر ونستريح.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى