قصائد و مقالات

لغز مقتل محمد آل عيسى الجزء الرابع: بداية التحقيق

بقلم: زينة سليم سالم البلوشي

عاد المحقّق علي الأنصاري إلى القصر يرافقه صمتٌ ثقيل لم يألفه المكان من قبل. دخل المكتب مرّة أخرى وكأنّه يلج إلى قلب اللغز ذاته. وقف في منتصف الغرفة، فتسلّلت إلى داخله مشاعر غامضة، وكأنّ ثمة رسالة خفية تحاول الجدران والكتب الصامتة أن تهمس بها إليه.

كان يشعر أنّ الجواب قريب، قريب جدًّا، لكنّه مكسور كزجاج غير مرئي لا يمكن لمسه. شيء في هذه الغرفة يخفي الحقيقة… ومع ذلك لم يستسلم. لم يكن من الذين ينهزمون، بل من أولئك الذين يحفرون في الظلام حتى يظهر النور.

دار ببصره في أرجاء المكان، يفتّش بعينيه عن أي تفصيلة خانها القاتل. توقف عند الطاولة، حيث استوقفه كوب القهوة الذي لاحظه بالأمس. انحنى قليلًا ونظر إليه، ثم تساءل في داخله:
لماذا لم يُشرب الكوب كاملًا؟ ولماذا وُضع بهذه الطريقة؟ أهو دليل… أم فخ؟

نادى على عصام آل عيسى، الابن الأكبر للضحية، وسأله بجدية وهو يراقب تعابيره:
ـ هل كان والدك معتادًا على شرب القهوة يوميًّا؟

رمقه المحقّق بعينين حادتين، متابعًا نبرة صوته وحركات يديه وحتى طريقة وقوفه. أجاب عصام بثقة:
ـ نعم، والدي مدمن على القهوة، لا يبدأ يومه من دونها. يشربها أكثر من ست مرّات يوميًّا، ودائمًا ينهي الكوب بالكامل. لكن هذه المرّة فعلًا غريب… لم يُكمل الكوب.

دوّى هذا الجواب في عقل المحقّق كإشارة خفية.
لماذا لم يكملها؟ هل لاحظ طعمًا غريبًا؟ هل بدأ السم بالتأثير عليه؟

اتصل فورًا بالطبيب الشرعي وسأله:
ـ متى تتوقّع وقت الوفاة؟

أجاب الطبيب بعد لحظة تريّث:
ـ بناءً على حرارة الجثة، أقدّر وقت الوفاة ما بين التاسعة والعاشرة مساءً.

أغلق المحقّق المكالمة، ودون المعلومة بدقة في دفتره، ثم عاد بنظره إلى عصام وسأله:
ـ من كان آخر من رأى والدك حيًّا؟

أجاب عصام:
ـ كنت أنا. تحدّثت معه حوالي الساعة الثامنة والنصف، ثم تركته وذهبت إلى غرفتي.

توقّف المحقّق لحظة، وكتب ملاحظة جديدة:
الثامنة والنصف… الوفاة بعد نصف ساعة فقط… والباب مغلق من الداخل. هل خرج أحد ثم عاد ليتظاهر بالبراءة؟

بعدها توجّه إلى الخادمة مريم وسألها:
ـ هل رأيتِ أحدًا يدخل المكتب بعد عصام؟ أم هل دخلتِ بنفسك؟

أجابت بارتباك ظاهر:
ـ لا يا سيدي. أنا أغادر القصر كل يوم بعد السابعة مساءً، وأعود صباحًا.

ثم التفت إلى الحارس وطرح عليه السؤال نفسه، فقال الحارس بهدوء:
ـ وظيفتي حراسة الخارج فقط. لا أدخل القصر إلا إذا طُلب مني، ولم يحدث أي أمر غير معتاد تلك الليلة.

أنهى المحقّق تدوين أقوالهم، لكن شيئًا ما لم يزل ناقصًا. لم يكن راضيًا. وقبل أن يغادر، التفت إلى الجميع قائلاً بصرامة:
ـ سأعود مجددًا، وسأحقق مع الجميع مرة أخرى… لا أحد فوق الشك.

غادر القصر، وصوت خطواته يتردّد في أرجائه كتهديد خفي.
الآن… حان وقت الجد.

يتبع…

اظهر المزيد

كمال فليج

إعلامي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى