
الجزء الأول: ليلة الجريمة
كانت ليلة قاسية البرودة، والسماء مغطاة بالغيوم التي تلقي بظلالها على قصر “آل عيسى”. القصر، المصمم على الطراز الحديث والفخم، يحيط به من كل الجهات حدائق مزهرة تزيد من جماليته وتعطيه روحًا وحياة.
في الداخل، كان كل شيء هادئًا بشكل غير معتاد، وكأن الزمن قد توقف انتظارًا لحدثٍ ما.
في الطابق العلوي، داخل مكتب “محمد آل عيسى”، رجل في بداية الخمسينات طويل القامة، رشيق وذو مظهر جذاب، كان يجلس على كرسيه بجانب المدفأة. أخذ يتأمل جمال مكتبه، وأمعن النظر في النيران المتراقصة، وكأنها تعكس صراعاته الداخلية ومشاعره المتشابكة.
بعد ساعات من التأمل، نهض من كرسيه وتوجه إلى الطاولة الخشبية المصنوعة من أجود أنواع الخشب، وبدأ يتفحص الأوراق المتراكمة عليها، الملفات، الكتب، وبعض الرسائل القديمة التي لم يفتحها منذ فترة. قرر احتساء كوب من القهوة، وجلس بالقرب من المدفأة، ثم بدأ بقراءة الرسائل واحدة تلو الأخرى.
ما لفت انتباهه أن جميع الأظرف كانت بيضاء، إلا رسالة واحدة باللون الأحمر. أخذ تنهيدة عميقة وفتح الظرف بحذر، ليجد أن محتواه قلب مزاجه رأسًا على عقب؛ تحولت ملامحه من الفرح إلى الحزن العميق، وبدأ بالبكاء بحرقة. وما إن انتهى، مزق الرسالة بعنف، وكأنه يريد محو أي ذكرى عن المرسل، ثم رماها في المدفأة ليشاهدها تتحول إلى رماد.
فجأة، رن هاتفه، وعندما رأى اسم المتصل، أغلق الهاتف بسرعة. بدأ الخوف والقلق يتسللان إليه، ورمى الهاتف جانبًا، واتجه مسرعًا إلى النافذة ليتنفس الهواء وينسى ما حدث. نظر إلى الورود في الخارج وتأمل جمالها، وبدأ تدريجيًا يستعيد هدوءه.
لكن لم تمضِ لحظات حتى لمح ظل شخص يتحرك داخل القصر، لكنه سرعان ما طمأن نفسه، قائلاً: “ما هي إلا أوهام، فلا أحد يمكنه دخول قصري إلا بإذني، وهناك حارس يراقب المكان.” ثم عاد إلى الداخل، وأغلق النافذة بإحكام بعد أن شعر بالبرد يخترق جسده.
لم يكن يعلم أن هذه اللحظات كانت الأخيرة في حياته، وأن أيامه أصبحت معدودة.