
تُعَدُّ الهجرة السرّية واحدة من أبرز الظواهر الاجتماعية التي تفاقمت خلال العقود الأخيرة، إذ باتت تشكّل هاجسًا للعديد من الدول، سواء تلك التي تُعَدُّ مصدرًا للمهاجرين أو وجهةً لهم. تدفع الظروف الاقتصادية الصعبة، والبطالة، وانعدام فرص العيش الكريم، العديد من الشباب إلى المجازفة بحياتهم في رحلات محفوفة بالمخاطر، طمعًا في واقع أفضل ومستقبل واعد.
الهجرة غير النظامية ليست خيارًا سهلًا، بل هي نتيجة شعور بالإحباط واليأس من إمكانية تحسين الظروف المعيشية في الوطن الأم. ومن أبرز أسبابها:
الفقر والبطالة: حيث تُعَدُّ البطالة المرتفعة، خصوصًا بين فئة الشباب، سببًا رئيسيًا يدفعهم للهجرة بحثًا عن فرص العمل.
غياب الاستقرار السياسي والاجتماعي: الحروب والنزاعات أو ضعف سيادة القانون يولّد شعورًا بانعدام الأمان.
التفاوت في مستويات التنمية: الفارق الكبير بين الدول الغنية والفقيرة يجعل حلم الوصول إلى الضفة الأخرى أقرب إلى طوق نجاة.
التأثير المجتمعي والإعلامي: قصص النجاح التي تُروى عن مهاجرين سابقين تزرع أوهامًا لدى الشباب بإمكانية تحقيق الثراء السريع.
رغم أن دوافعها تبدو مفهومة، إلّا أنّ للهجرة السرّية تبعات اجتماعية عميقة تمس الفرد والمجتمع على حدّ سواء، منها تفكك الروابط الأسرية و فقدان رأس المال البشري و كذا تعزيز ثقافة الهروب بدل المواجهة دون ان ننسى مشكلات الاندماج في بلدان الاستقبال و انعكاساتها النفسية الخطيرة:
لا يمكن القضاء على الهجرة السرّية دون معالجة جذورها العميقة عبر تحسين الوضع الاقتصادي وتوفير فرص عمل للشباب. تعزيز التنمية في المناطق المهمّشة. نشر الوعي بمخاطر الهجرة غير النظامية وتفنيد أوهام الثراء السريع. و التعاون الدولي لتوفير هجرة قانونية ومنظمة تحفظ كرامة الإنسان.
إنّ الهجرة السرّية ليست مجرّد حركة بشرية غير قانونية، بل هي صرخة ألم من شباب أنهكهم الفقر واليأس. ومعالجة هذه الظاهرة تستدعي رؤية شاملة تراعي البعد الإنساني والاجتماعي، وتستثمر في الإنسان باعتباره الثروة الحقيقية لأي وطن.
وعندما تنطفئ أشرعة الرحيل على أمواج الغياب، لا يبقى سوى صدى الأسماء في ذاكرة البحر، ودموع أمهاتٍ يحدّقن في الأفق… علّ قوارب الحلم تعود يومًا، محمّلةً بالحياة لا بالغياب. … كمال فليج