ظاهر الشخصية بين الواقع و المواقع

الجزائر _ كمال فليج
في عالمٍ تتقاطع فيه الحياة الواقعية مع الفضاءات الافتراضية، أصبحت الشخصية الإنسانية تتخذ بعدًا مزدوجًا؛ فهي تعيش حضورًا ملموسًا في الواقع، وفي الوقت ذاته تبني صورة موازية لها على منصات التواصل الاجتماعي. هذه المفارقة تُثير تساؤلات عميقة حول مدى تطابق “الظاهر” مع “الجوهر”، وحول حدود الأصالة والتمثيل في زمن أصبحت فيه الهوية قابلة للتعديل والنحت حسب الرغبة.
في الواقع، تُختبر الشخصية ضمن بيئة يومية حقيقية، حيث تُقاس بالمواقف والسلوكيات الفعلية، وبعلاقاتها المباشرة مع الآخر. هنا، تُظهر الإنسان على حقيقته: نقاط قوته وضعفه، تردده وشجاعته، صدقه وتناقضاته. أما في “المواقع”، فيُتاح للفرد أن يُعيد تشكيل ذاته وفق ما يرغب أن يراه الآخرون؛ يختار الصور بعناية، ويصوغ الكلمات بانتقاء، ويُخفي العثرات خلف فلاتر ومؤثرات، حتى يغدو أقرب إلى نسخة مثالية متخيلة أكثر من كونه كائنًا واقعيًا.
ومع مرور الوقت، قد تطغى هذه الشخصية الافتراضية على الحقيقية، فتُربك صاحبها وتضعه في صراعٍ داخلي بين ما هو عليه فعلا وما يروّج له عن نفسه، فتتسع الفجوة بين “من يكون” و”من يبدو”. وهنا تبرز خطورة الانفصال عن الذات، حين تصبح الشخصية مجرد واجهة برّاقة تخفي هشاشة داخلية أو فراغًا عاطفيًا.
غير أنّ الحل ليس في رفض المواقع، بل في استعادة التوازن بين العالمين؛ أن نستخدم هذه المنصات كوسيلة للتعبير لا كبديل عن الواقع، وأن نتحلّى بالصدق في عرض ذواتنا، فلا نخجل من النقص ولا ندّعي الكمال. فالقوة الحقيقية تكمن في الانسجام بين الظاهر والباطن، بين ما نعيشه وما نُظهره، بين الإنسان الواقعي والإنسان الرقمي.
ختاما إن بناء شخصية متوازنة في زمن الواقع والمواقع يتطلب شجاعة في مواجهة الذات، وصدقًا في عرضها على الآخرين. فحين تتصالح الشخصية مع حقيقتها، تغدو أكثر إشراقًا وصدقًا، ويصبح حضورها مؤثرًا في كل فضاء، واقعيًا كان أو افتراضيًا.