
ثمة مواقف، ولحظات، تجعلنا نتوقف عن كل شيء.
نتوقف عن الكلام، عن الحركة، عن حتى النفس…
نقف صامتين، نبحث عن سبب مقنع لما يحدث حولنا،
كأننا في صراع داخلي عميق، حيث يلتقي الزمن مع التفكير،
وتصبح الروح شاهدة على ألم صامت،
ألم لا يفهمه إلا من ذاقه، وأحس به في صمت قلبه.
صدى المواقف
مواقف تركت أثرًا لا يُمحى،
من أشخاص لم أكن أتوقع أن يكون لهم هذا التأثير.
أذكر دائمًا كلام ذلك المسن، حين يتحدث عن أبنائه،
كيف حالت بهم الأيام، تاركين وراءهم تعبًا أفناه عمره لهم، ليقول:
> “البيت أصبح خاليًا، وحدي أسكن فيه…
لا أحد يستمع إليّ، لم أجد ضحكات أطفالهم في زوايا المنزل…
أصبح شبه مهجور… لا أحد يؤنسني فيه.”
ذكريات الجدران
الجدران والزوايا تحكي: “قد كانوا هنا…!”
لكنهم رحلوا، وتركوا صمتًا كبيرًا،
وصدى ضحكاتهم أصبح ذكرى باهتة في أرجاء البيت.
لقد اختاروا البعد عني، وأنا في عز حاجتي لهم،
كانت الحجج دائمًا: “البيت أصبح لا يكفي”.
ومع كل هذا، يسكت لحظة، ثم يقول بصوت يملؤه الحزن العميق:
> “لم يعد البيت الذي كبروا فيه يلائم أحلامهم…
كما تضيق الذاكرة حين تثقلها السنوات، ضاق بهم البيت…
ورغم كل هذا، وجدوا في بعدهم عني راحة لهم…
لم أعد الأب الذي يحن لهم في كل لحظاته وتعبه…
كل تصحياتي لم تُقدَّر.”
دروس الحياة
ويواصل، بصوت مليء بالأسى:
> “لم أطلب الكثير منهم… كل ما أتمناه أن يكونوا بجانبي.”
نعم… هكذا هي الحياة!
مواقف تعلمنا دروسًا وعبرًا،
ومهما وعينا وصحينا، لا بد لنا أن نكون على الرف،
وقت الحاجة ينكرونك،
والوفاء أصبح عملة نادرة… ولو من أقرب الناس.
عبور الألم إلى الحكمة
موقف أخذ مني تفكيرًا عميقًا، وعبرة اكتسبت منها:
أن الإنسان، مهما كثرت تضحياته، ولو أعطى كل ما يملك، لن يجد التقدير من أحد…
إلا إذا قدره قلب صادق، لم تطله خيانة الزمان.
وفي صمت البيت الخالي، حيث تتردد أصداء الذكريات،
نتعلم أن الحب الحقيقي والوفاء لا يُشترى، ولا يُفرض…
بل يزرع في القلوب، ويظل منارة وسط ظلام الوحدة،
ينير الطريق حتى لمن فقدوا الأمل.